فصل: الفصل السبعون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)



.الفصل التاسع والستون:

يا من قد أرخى له في الطول وأمهل له بمد الأجل، إخل بنفسك وعاتبها وخذ على يدها وحاسبها لعلها تأخذ عدتها قبل أن تستوفي مدتها:
وجدت أيامي لي رواحلًا ** وآن ينحط عنها الراحل

وصيح بي عرس فقد طال المدى ** وكل ركب في التراب نازل

تهدد الحين فهل من سامع ** وجاء بالنصح فأين القابل

وكل شيء زاجر محدث ** يفهم ما قال الحصيف العاقل

أخواني، بادروا قبل العوائق واستدركوا فما كل طالب لاحق، واشكروا نعمة من ستركم عن الذنوب، واعرفوا فضله فقد أعطاكم كل مطلوب، ما أعم وجوده لجميع خلقه وما أكثر تقصيرهم في حقه، عم إحسانه الآدمي والبهائم والمستيقظ والنائم والجاهل، والعالم والمتقي والظالم من تأمل حسن لطفه لخليقته حيره الدهش، خلق الجنين في بطن الأم فجعل وجهه إلى ظهرها لئلا يجري الطعام عليه، وجعل انفه بين ركبتيه ليتنفس في فراغ وسيق قوته في مصران السرة وليس العجب تغذيه لأنه متصل بحي، إنما العجب، خلق الفرخ في البيضة المنفصلة فإنه من البياض يخلق ومن المح يتغذى، فقد هيأ له زاد الطريق قبل سير الإيجاد، إذا تفقأت بيضة الغراب خرج الفرخ أبيض فتنفر عنه الأم لمباينته إياها، فيبقى مفتوح الفم لطلب الرزق فيسوق القدر إلى فيه الذباب، فلا يزال يغتذي به حتى يسود، فتعود أمه إليه، خلق الطير ذا جؤجؤ مخدد لتجري سفينة طيرانه في بحر الهوى، وجعل في جناحه وذنبه ريشات طوال لينهض للطيران ولما كان يختلس قوته خوفًا من اصطياده، جعل منقاره صلبًا لئلا ينسحج ولم يخلق له أسنان لأن زمان الانتهاب لا يحتمل المضغ، وجعلت له حوصلة كالمخلاة، فينقل إليها ما يستلب ثم ينقله إلى القانصة في زمان الأمن، فإن كانت له فراخ أسهمهم قبل النقل كلما طالت ساق الحيوان طال عنقه ليمكنه تناول طعمه من الأرض، هذا طائر الماء لا يقف إلا في ضحضاح، فيتأمل ما يدب في الماء فإذا رأى ما يريد خطا خطوات على مهل فيتناول ولو كان قصير القوائم، كان حين يخطو يضرب الماء ببطنه فيهرب الصيد، هذه العنكبوت تبني بيتها بصناعة يعجز عنها المهندس إنها تطلب زاوية فجعلت فيها خيطًا، ووصلت بين طرفيها بخيط آخر وتلقي اللعاب على الجانبين فإذا أحكمت المعاقد ورتبت القسط كالسدى أخذت في اللحمة فيظن الظان أن نسجها عبث، كلا، إنها تصنع شبكة لتصيد قوتها من الذباب والبق فإذا أتمت النسج انزوت إلى زاوية ترصد رصد الصائد، فإذا وقع صيد قامت تجني ثمار كسبها فتغتذي به فإذا أعجزها الصيد طلبت زاوية ووصلت بين طرفيها بخيط ثم علقت بنفسها بخيط آخر، وتنكست في الهواء تنتظر ذبابة تمر بها فإذا دنت منها دبت إليها واستعانت على قتلها بلف الخيط على رجلها، أفتراها علمت هذه الصنعة بنفسها؟ أو قرأتها على بعض جنسها أفلا ينظر إلى حكمة من علمها؟ وتثقيف من ألهمها.
فإن لم يكن لك نظر يعجبك منها فيعجب من عدم تعجبك، فإن أعجب أفعال القدر {وأَضَلَّهُ اللهُ على علمٍ} القلب جوهر في معدن البدن، فاكشف عنه بمعول المجاهدة ولا تطينه بتراب الغفلة، رميت صخرة الهوى على ينبوع الفطنة، فاحتبس الماء، انقب تحتها إن لم تطق رفعها لعل الجرف ينهار.
في قربنا نيل المنى ** فتنبهوا يا غافلينا

عجبًا لقومٍ أعرضوا ** عنا وقوم واصَلونا

نقضوا العهود وبارزونا ** بالصدود كاشفونا

واستعذبوا طعم القطيعة ** والجفا حتى نسونا

يا ويحهم لو قد دروا ** ما فاتهم لاستعطفونا

إلهي، ما أكثر المعرض عنك والمعترض عليك، وما أقل المتعرضين لك يا روح القلوب أين طلابك؟ يا نور السموات أين أحبابك؟ يا رب الأرباب أين عبادك؟ يا مسبب الأسباب أين قصادك؟ من الذي عاملك بلبه فلم يربح؟ من الذي جاءك بكربه فلم يفرح؟ أي صدر صدر عن بابك ولم يشرح؟ من ذا الذي لاذ بحبلك فاشتهى أن يبرح؟ يا معرضًا عنه إلى من أعرضت؟ يا مشغولا بغيره بمن تعوضت؟
مت على من غبت عنه أسفًا ** لست عنه بمصيب خلفا

لن ترى قرة عين أبدًا ** أو ترى نحوهم منصرفا

بعت قيام الليل بفضل لقمة، شربت كأس النعاس ففاتك الرفقة، ضرب على أذنك لا في مرافقة أهل الكهف، تناولت خمر الرقاد، فوقع بك صاحب الشرطة فعمل في حقك بمقتضى قم وانم، فجعل حدك الحبس عن لحاق المتهجدين، والله لو بعت لحظة من خلوة بنا بعمر نوح في ملك قارون لغبنت لا بل بما في الجنان كلها ما ربحت ومن ذاق عرف.
إخواني، اسمعوا بحرمة الوفاء فما كل وقت يطلع سهيل، فإذا خرجتم من المجلس فاقصدوا المساجد الخراب، وضعوا وجوهكم على التراب وابعثوا أنفاس الأسف وكفى بها شفيعًا في الزلل، فإن وجدتم قلوبكم قد حضرت فاذكروني معكم.
للشريف الرضي:
وقولوا لجيرانٍ على الخيف من منى ** تراكُمْ مَن استبدلتُمُ بجواريا

ومَنْ ورَدَ الماءَ الذي كنت واردًا ** به ورَعى العشبَ الذي كنت راعيا

فوا لهفتي كم لي على الخيفِ شهقةً ** تذوبُ عليها قطعةٌ من فؤاديا

.الفصل السبعون:

يا تائهًا في بوادي الهوى انزل ساعة بوادي الفكر يخبرك بأن اللذة قصيرة والعقاب طويل واعجبًا لمن يشتري شهوة ساعة بغم الأبد. كانت المعصية ساعة لا كانت فكم ذلت بعدها النفس وكم تصاعد لأجلها النفس وكم جرى لتذكارها دمع.
للشريف الرضي:
قَضَتِ المنازلُ يومَ كاظمةٍ ** أنَّ المطيَّ يطولُ موقفُها

سبقتْ مدامعُنا بر شتها ** من قبلِ أن يومي مكفكفها

إن كنتُ أنفذتُ الدموعَ بها ** فالوجدُ بعدَ اليومِ يُخلِفُها

لا تنشُدَنَّ الدارَ بعدهمُ ** إني على الإقواء أعرفُها

رفقًا بقلبي لا تعذبه ** العينُ منكَ وأنتَ تَطرفُها

في القلب منكَ جراحةٌ عظمت ** ما زلت أدملها وتقرفها

هل يعطِفَنَّكُمُ توجُّعُها ** أو يُقبِلَنَّ بكُم تلهُفُها

يا من قد هبت على قلبه جنوب المجانبة فلفقت غيم الغفلة، فأظلم أفق المعرفة لا تيأس فالشمس تحت الغيم، لو تصاعد نفس أسف دارت شمالًا فتقطع السحاب، أنفع دواء أجده لك نقض أخلاط التخليط بالدموع، بضاعة المذنب دمعه، رأس مال المقر حزنه، راحة الأوّاب قلقه، عيشة التواب حرقه، كان آدم يبكي بعد هبوطه حتى يخوض في دمعه، فكان جبريل يأتيه فيقول كم هذا البكاء؟ ولسان حاله يجيب.
للشريف الرضي:
يا عاذل المشتاق دعهُ فإنهُ ** يطوي على الزفراتِ غيرَ حشاكا

لو كان قلبكَ قلبهُ ما لمتهُ ** حاشاك مما عندهُ حاشاكا

يا جبريل: ما تغير عليك أمر وأنا نقلت من برد عيش إلى حر، ما سكنت قط مسكني ولا توطنت موطني، فاقرأ على ربعي سلامي وقل له لا تنس أيامي.
للمصنف:
إذا جزت بالغور عرّج يمينًا ** فقد أخذ الشوق منا يمينا

وسلم على بانة الواديين ** فإن سمعت أوشكت أن تبينه

وروِّ ثرى أرضهم بالدموع ** وخل الضلوع على ما طوينا

وصح في مغانيهم أين هم ** وهيهات أموا طريقًا شطونا

أراك يشوقك وادي الأراك ** أالدار تبكي أم الساكنينا

سقى الله مرتعنا بالحمى ** وإن كان أورث داءًا دفينا

وعاذلة فوق داء المحب ** رويدًا رويدًا بناقد بلينا

فمن تعذلين أما تعذرين ** فلو قد نفقت دعت الأنينا

إذا غلب الحب صح العتاب ** تعبت وأتعبت لو تعلمينا

ما زال آدم يشيم برق العفو فلما طال عليه الزمان حمّل صعداء الوجد رسالة شكوى ما علمت بمضمونها الرياح.
إذا بدا البرق من نجد طربت له ** وكدت من طربي أقضي لذكرهم

وتحمل الريح إن هبت شامية ** مني السلام إلى أطلال ربعهم

فرض على أراعيهم وأحفظهم ** على البعاد ويرعوني بفضلهم

يا معاشر المذنبين، تأسّوا بأبيكم في البكاء، تفكروا كيف باع دارًا قد ربي فيها وضاع الثمن، لا تبرحوا من باب الذل فأقرب الخطائين إلى العفو المعترف بالزلل، ما انتفع آدم في بلية {وعصى} بكمال {وعلم} ولا رد عنه عز {اسجدوا} وإنما خلصه ذل {ظلمنا}. قال سريّ: بتُّ ببعض قرى الشام، فسمعت طائرًا على شجرة يقول طوال الليل، أخطأت لا أعود فقلت لأهل القرية: ما اسم هذا الطائر؟ فقالوا: فاقد إلفه.
للمهيار:
تأوهت تأوه الأسير ** ورقاءُ ذات ورَقٍ نضيرِ

تنطق عن قلب لها مكسورِ ** كانها تنطق عن ضمير

لبيكِ يا حزينةَ الصفير ** إن استجرتِ بي فاستجيري

لك الخيارُ انجدي أو غوري ** وحيثما صار هواكِ صيري

قصي جناحي زمن فطيري

أخواني، نفترق على هذه الحال غفلة شاملة ودموع جامدة لا بالله لا تفعلوا.
يا حادي العيس لا تعجل بنا وقف ** نجري دموع هواهم ثم ننصرف

فما يزال نسيم من يمانية ** يأتي إلينا بريا روضة أنف

إذا رأيتم باكيًا في المجلس فارحموه، وإذا شاهدتم قلقًا فاعذروه، لا تعجبوا من واجد ما لم تجدوه.
لابن المعتز:
دعوه ليطفي بالدموع حرارة ** على كبدٍ حرّى دعوه دعوه

سلوا عاذليه يعذروه هنيهة ** فبالعذل دون الشوق قد قتلوه

لا تلوموا صاحب الوجد فما يرى بحضرته أحدا.
ظن الأراك لدى واديه أظعانا ** فما استطاع لما أخفاه كتمانا

فبان للركب ما قد كان يستره ** عن كل مستخبر عن حب من بانا

كان أبو عبيدة الخواص يمشي في الطريق ويصيح: وا شوقاه إلى من يراني ولا أراه.
هذا ولَهي وكم كتمتُ الوَلَها ** صونًا لحديث من هوى النفس لها

يا آخر محنتي ويا أولها ** أيام عناي فيك ما أطولها

ليس للمحب قرار ولا له من الحب فرار، تعرقل وفات وخنق فمات.
ولي عبراتٌ تستهلُّ صبابةً ** عليك إذا برق الغمام تألّقا

ألفت الهوى حتى حلت لي صروفه ** ورب نعيم كان جالبه شقا

وأذهل حتى أحسب الصد والنوى ** بمعترك الذكرى وصالًا وملتقى

فها أنا ذو حالين أما تلذذي ** فحي وأما سلوتي فلك البقا

لو أشرفت على وادي الدجى لرأت خيم القوم على شواطئ أنهار الدموع، خلوا والله بالحبيب وطال الحديث، عين تبكي من المحبوب وأخرى تبكي عليه، لفظة تشكو منه وأخرى تشكو إليه. ري تام لمحبته، وعطش محرق إلى رؤيته.
للمصنف:
الماءُ عندي قد طما ** وأنا الذي أشكو الظّما

جسمي معي لكن قلبي ** عند سكان الحِمى

واهًا لهم لو أنهم ** عادوا وجادوا لي فما

أرجو نوالًا منهمُ ** هيهات هم حبي وما

ميلي إلى غير الأولى ** سكنوا فؤادي إنما

أشكو إليهم منهمُ ** كلما يزيد وكلما

هجروا تفاقم أمرهم ** يا ليتهم داووا كما

جرحوا فلو طبوا شفوا ** هيهات لولاهم لما

ذهب الزمان بأن أقول ** عسى وأرجو ربما

يا أيها المضنى بهم ** لم يبق منك سوى الذما

فالذما كان الوصال ** فعاد مرًّا علقما

تركوك بعد فراقهم ** متحيرًا تبكي دما

يا بانة الوادي ارحمي ** من لا يزال متيّما

يا نسمة الريح الشمال ** ألا أبلغيهم بعض ما

ألقى فحر سمائم الأ ** نفاس يكفي معلما

نفسي تكابد وجدها ** بكم فما فغرت فما

لكن آثار المحبة ** ليس تخفى أينما